كيف يؤثر تناول السكر على صحة الدماغ والتركيز
نعيش في عالمٍ مليءٍ بـالإغراءات الغذائية، و يُعدّ السكر أحد أكثر هذه الإغراءات انتشارًا و استهلاكًا. و بينما نعلم جميعًا أن تناول السكر بكميات كبيرة يُمكن أن يؤدي إلى زيادة الوزن و الإصابة بأمراضٍ مثل السكري، هل نعلم كيف يؤثر تناول السكر على صحة الدماغ و التركيز ؟ في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل العلاقة المُعقّدة بين تناول السكر و وظائف الدماغ و كيف يُمكن للسكريات التأثير على الذاكرة و التركيز و الصحة العقلية بشكلٍ عام.
يُعتبر الدماغ أكثر أعضاء الجسم استهلاكًا للطاقة ، و هو يعتمد بشكلٍ رئيسي على الجلوكوز كمصدرٍ لهذه الطاقة. و يتم الحصول على الجلوكوز من الأطعمة التي نتناولها، و خاصةً الكربوهيدرات و السكريات. و مع ذلك، فإن الإفراط في تناول السكر يؤثر على الدماغ بشكلٍ سلبي و يُمكن أن يُؤدي إلى مجموعة من المشاكل الصحية، بدءًا من ضعف الذاكرة و صعوبة التركيز و وصولًا إلى تغيّراتٍ مزاجية و زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب و الخرف. فلا شك أن السكريات تلعب دورًا في تزويد الدماغ بالطاقة، ولكن كما هو الحال مع معظم الأشياء في الحياة، يُعدّ الاعتدال هو مفتاح الحفاظ على صحةٍ جيدة. فتناول كميات كبيرة من السكر يُمكن أن يُؤثر سلبًا على العديد من وظائف الدماغ و يُسبب مشاكل صحية على المدى الطويل. يُعتبر الدماغ من أهم أعضاء الجسم و هو المسؤول عن العديد من الوظائف الحيوية مثل التفكير و الذاكرة و التركيز و التحكم في العضلات و الحواس. و يحتاج الدماغ إلى طاقة كبيرة لأداء وظائفه بشكلٍ فعّال، و يعتمد بشكلٍ رئيسي على الجلوكوز كمصدر لهذه الطاقة. و بينما تُعتبر السكريات مصدرًا سهلاً و سريعًا لـ طاقة الدماغ، إلا أن الإفراط في تناولها له آثار سلبية كبيرة على صحة الدماغ على المدى الطويل.
كيف يؤثر تناول السكر على وظائف الدماغ و الذاكرة؟
يُؤثّر تناول السكر على الدماغ بعدة طرق
- ارتفاع مستويات السكر في الدم و ضعف الذاكرة عندما نتناول كميات كبيرة من السكر، يرتفع مستوى السكر في الدم بشكلٍ مُفاجئ، وهو ما يُعرف بـ "ارتفاع السكر في الدم". يؤدي ذلك إلى إنتاج كميات كبيرة من الأنسولين لـ خفض مستوى السكر في الدم بشكلٍ سريع. و هذه التقلّبات في مستويات السكر في الدم تُؤثر سلبًا على وظائف الدماغ و الذاكرة، و قد تُسبب صعوبة في التركيز و التذكّر و التعلّم. فمع التقلّبات المستمرة في مستويات السكر في الدم و إفراز الأنسولين بشكلٍ مُتكرّر، يُصبح الدماغ أقل حسّاسيةً للأنسولين، مما يُؤثّر على وظائفه و يُسبب "مُقاومة الأنسولين" في الدماغ.
- التأثير على الناقلات العصبية يُمكن أن يؤثّر تناول السكر على النواقل العصبية في الدماغ، و خاصةً الدوبامين، و هو ناقل عصبي مُرتبط بالشعور بالسعادة و المكافأة. و يُمكن لـ تناول السكر بكميات كبيرة أن يُقلّل من حسّاسية الدماغ لـ الدوبامين، مما يؤدي إلى الشعور بالرغبة في تناول المزيد من السكر لـ الحصول على نفس الشعور بالسعادة و المكافأة، و بالتالي زيادة الرغبة في تناول السكريات بشكلٍ مُفرط. و عند انخفاض مستوى الدوبامين في الدماغ بسبب تناول السكر بكمياتٍ كبيرة، يُمكن أن يؤثر ذلك على الدافع و الشعور بالسعادة و المكافأة و يُزيد من الشعور بالخمول و الاكتئاب.
- الالتهاب في الدماغ أظهرت بعض الدراسات أن تناول السكر بكميات كبيرة يُمكن أن يُزيد من الالتهاب في الدماغ، و الذي يُمكن أن يُؤثّر سلبًا على الوظائف الإدراكية مثل الذاكرة و التركيز و يُزيد من خطر الإصابة بأمراض عصبية مثل الزهايمر. فإن التهاب الدماغ هو استجابة طبيعية للإصابات و العدوى، ولكن التهاب الدماغ المُزمن و الذي قد ينتج عن تناول السكر بكمياتٍ مُفرطة، يُمكن أن يُلحق الضرر بخلايا الدماغ و يؤثر على وظائفها بشكلٍ سلبي.
- صعوبة التعلّم و التذكّر يُمكن لـ تناول كميات كبيرة من السكر أن يُؤثر على القدرة على التعلّم و التذكّر. فـ السكر يُؤثّر على منطقة الحصين في الدماغ و التي تلعب دورًا مهمًا في الذاكرة و التعلّم، مما يُصعّب على الدماغ تكوين ذكريات جديدة و استرجاع الذكريات القديمة. يحتاج الدماغ إلى التوازن في مستويات السكر في الدم لأداء وظائفه بشكلٍ فعّال، و يُؤدي اختلال هذا التوازن إلى صعوبة في التركيز و التعلّم و التذكّر و إلى التأثير على الأداء الإدراكي بشكلٍ عام.
- تقلبات المزاج و زيادة الشعور بالقلق يُمكن لـ تناول السكر أن يُؤثر على مستويات الهرمونات في الجسم، مثل الأنسولين و الكورتيزول و السيروتونين، مما يؤدي إلى تقلبات مزاجية و زيادة الشعور بالقلق و الاكتئاب. عندما نتناول السكر بكمياتٍ كبيرة، يُحفّز ذلك إفراز هرمون "الدوبامين" و الذي يُعرف بـ هرمون السعادة و المكافأة، مما يجعلنا نشعر بالتحسّن و النشاط و السعادة لوقتٍ قصير. ولكن مع استمرار ارتفاع و انخفاض مستوى السكر في الدم بشكلٍ مُتكرّر، يُمكن أن يتحوّل هذا الشعور إلى العكس، حيث يُمكن أن نشعر بالتعب و الاكتئاب و الخمول و صعوبة التركيز و تقلبات مزاجية حادة.
كيف يؤثر السكر على تركيز الأطفال؟
يُعتبر تركيز الأطفال أمرًا ضروريًا لـ تعلّمهم و نموّهم بشكلٍ سليم، و يُمكن لـ تناول السكر بكمياتٍ مُفرطة أن يؤثّر على قدرة الأطفال على التركيز و التعلّم و التحصيل الدراسي و يؤدي إلى:
- فرط الحركة و عدم القدرة على الجلوس بهدوء يُحفّز تناول السكر الأطفال و يزيد من طاقتهم و نشاطهم بشكلٍ مُفاجئ و مؤقّت، ثم ينخفض مستوى السكر في الدم بشكلٍ مُفاجئ مما يؤدي إلى الشعور بـ الإرهاق و الخمول و صعوبة التركيز و عدم القدرة على الجلوس بهدوء و زيادة الشعور بالملل.
- صعوبة التعلّم و تذكّر الدروس يُمكن أن يُؤثّر تناول السكر على وظائف الذاكرة لدى الأطفال و يُصعّب من تكوين ذكرياتٍ جديدة و تذكر الدروس. و يُمكن أن يؤدي ذلك إلى صعوبة في التحصيل الدراسي و الشعور بالإحباط و ضعف الثقة في النفس.
- مشاكل في السلوك و التصرّفات العدوانية يُمكن أن يُزيد تناول السكر من سلوكيات الأطفال العدوانية و يجعلهم أكثر ميلًا إلى العصبية و الغضب. و ذلك بسبب التقلّبات في مستويات السكر في الدم و التأثير على النواقل العصبية المسؤولة عن التحكّم في المشاعر و السلوكيات.
كيف يُمكن الحد من تناول السكر و تحسين صحة الدماغ؟
اتّباع نمط حياةٍ صحي يساعد على التقليل من تناول السكر و تحسين صحة الدماغ و الوقاية من المشاكل الصحية المُرتبطة بـ الإفراط في تناوله. و من أهم الخطوات التي يُمكنك اتّباعها:أ
- قراءة ملصقات الغذاء بعناية يُضاف السكر إلى العديد من الأطعمة المصنّعة، مثل الصلصات و الزبادي و الحبوب و الخبز. احرص على قراءة ملصقات الطعام و التعرّف على محتوى السكر في الأطعمة التي تشتريها و اختيار الخيارات التي تحتوي على كميات أقل من السكر المُضاف. و يُفضل اختيار الأطعمة التي تحتوي على "السكر الطبيعي" مثل السكر الموجود في الفواكه بدلاً من "السكر المُضاف".
- تناول الفواكه كاملةً بدلاً من عصائر الفواكه تُعدّ عصائر الفواكه مُركّزة و تحتوي على كميات أكبر من السكر مقارنةً بتناول ثمرة فواكه كاملة، بالإضافة إلى أن عصير الفواكه يفتقر إلى الألياف التي تُساعد على الشعور بالشبع و تنظيم امتصاص السكر في الدم. فمثلاً، ثمرة برتقال واحدة تحتوي على نسبة منخفضة من السعرات الحرارية و غنية بالألياف و الفيتامينات، بينما يحتوي كوب من عصير البرتقال على كمية أكبر من السكر و سعرات حرارية أكثر.
- الحد من استهلاك الأطعمة المصنّعة و الوجبات السريعة تحتوي العديد من الأطعمة المصنّعة و الوجبات السريعة على نسبة عالية من السكر المُضاف و الدهون غير الصحية، و تُساهم في زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب و السكري و السمنة. فعند تناول هذه الأطعمة، يزداد مستوى السكر في الدم بشكلٍ مُفاجئ و يزداد إنتاج الأنسولين بشكلٍ مُتكرّر مما يُؤثر سلبًا على صحة الدماغ و يُزيد من الرغبة في تناول السكريات بشكلٍ مُفرط.
- اختيار مصادر الكربوهيدرات الصحية استبدل الكربوهيدرات البسيطة مثل الخبز الأبيض و الأرز الأبيض بـ الحبوب الكاملة مثل الخبز الأسمر و الأرز البني و الشوفان، التي تُهضم ببطء و تحتوي على نسبة أعلى من الألياف مما يُساهم في استقرار مستوى السكر في الدم. فعند تناول الكربوهيدرات البسيطة التي لا تحتوي على الألياف، يرتفع مستوى السكر في الدم بشكلٍ سريع مما يُؤثر سلبًا على صحة الدماغ.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم يساعد النوم الكافي على تنظيم هرمونات الجسم و تحسين وظائف الدماغ و تقليل الشعور بالرغبة في تناول السكريات. فعندما لا نحصل على نوم كافٍ، يُنتج الجسم هرموناتٍ تُزيد من الشعور بالجوع و الرغبة في تناول الطعام، و خاصةً الأطعمة الغنية بالسكريات و الدهون.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام تُساعد الرياضة على تنظيم مستوى السكر في الدم و تحسين حساسّية الأنسولين و تحسين الوظائف الإدراكية للدماغ و زيادة نشاط الدماغ و التقليل من خطر الإصابة بالخرف. فإن ممارسة الرياضة بشكلٍ منتظم تُحفّز من الدورة الدموية في الدماغ و تزيد من تدفق الدم إلى الدماغ، مما يُحسّن من وظائف الدماغ و يساعد على التفكير بشكلٍ أوضح.
- الابتعاد عن التدخين و الكحول يُؤثّر التدخين و الكحول سلبًا على صحة الدماغ و يزيدان من خطر الإصابة بالعديد من الأمراض بما في ذلك أمراض القلب و الأوعية الدموية و السكتة الدماغية و بعض أنواع السرطان. يُؤثّر النيكوتين الموجود في السجائر على تدفق الدم إلى الدماغ و يُسبّب تلفًا في خلايا الدماغ، بينما يُؤثر الكحول على النواقل العصبية في الدماغ و يُمكن أن يُسبّب مشاكل في الذاكرة و التركيز و الحكم على الأمور.
- تناول الأطعمة الغنية بـ أوميجا 3 تُعتبر أوميجا 3 من الأحماض الدهنية الضرورية للجسم و لا يُمكن للجسم إنتاجها بنفسه. و تساعد أوميجا 3 على تحسين وظائف الدماغ و الحفاظ على صحته. و تُوجد في الأسماك الدهنية مثل السلمون و التونة و المكريل و في المكسّرات مثل الجوز و اللوز و بذور الكتان.
- تناول مُضادات الأكسدة تُساعد مُضادات الأكسدة على حماية خلايا الدماغ من التلف و الشيخوخة المُبكّرة و تُقلّل من خطر الإصابة بـ أمراضٍ عصبية مثل الزهايمر و باركنسون. و تُوجد مُضادات الأكسدة في الفواكه و الخضروات ذات الألوان الزاهية مثل التوت و السبانخ و الفلفل الأحمر و الطماطم.
البدائل الصحية للسكر
يُمكن استخدام بعض البدائل الصحية للسكر الأبيض في تحلية الطعام و المشروبات دون التأثير بشكلٍ سلبي على الصحة. و من أفضل هذه البدائل:
- عسل النحل يُعدّ عسل النحل من المُحليات الطبيعية و الغنية بمُضادات الأكسدة و المواد الغذائية المُفيدة للجسم، و هو بديل مُمتاز للسكر الأبيض في تحلية الشاي و القهوة و إضافة نكهةٍ حلوة و لذيذة إلى الأطعمة. يُمكن استخدامه في تحلية العصائر و الشاي و المُثلّجات و في صنع الحلويات المنزلية كبديل صحي و طبيعي للسكر الأبيض.
- دبس التمر مُحلّى طبيعي يُستخلص من التمر، غني بالحديد و البوتاسيوم و المغنيسيوم و الألياف. يُمكن إضافته إلى الحليب و العصائر و الزبادي و الأطعمة المُختلفة. و يُمكن استخدامه كبديلٍ للشوكولاتة السائلة في صنع بعض الحلويات أو دهن الخبز أو التوست أو الفطائر.
- سكر جوز الهند مُحلّى طبيعي يُستخلص من نبات جوز الهند، له مُؤشر جلايسيمي منخفض و لا يُسبّب ارتفاعًا مفاجئًا في مستوى السكر في الدم، مما يجعله مُناسبًا لـ مرضى السكري. و له نكهة تشبه الكراميل و يُمكن استخدامه في تحضير الحلويات و المشروبات. يُمكن إضافته إلى الكعك و البسكويت و الفطائر و الكثير من الحلويات الأخرى.
- ستيفيا مُحلّى طبيعي يُستخرج من نبات الستيفيا، و لا يحتوي على أي سعرات حرارية و لا يُؤثّر على مستوى السكر في الدم و مُناسب لـ مرضى السكري. و له نكهة حلوة شديدة، و يُستخدم في تحلية الشاي و القهوة و المشروبات الأخرى و بعض أنواع الحلويات. يُستخدم في تحضير العديد من الحلويات و الأطعمة الخفيفة لأن نكهته لا تتغيّر عند التعرّض لـ درجات حرارةٍ عالية.
الخاتمة
يُمكن لـتناول السكر بكمياتٍ معتدلة أن يكون جزءًا من نظامٍ غذائي صحي، ولكن الإفراط في تناوله يُمكن أن يؤثّر سلبًا على صحة الدماغ و التركيز. من خلال الوعي بآثار السكر على وظائف الدماغ و اتباع نصائح نمط الحياة الصحي و اختيار البدائل الصحية للسكر المُكرّر، يُمكن للجميع التمتع بصحة عقلية و جسدية أفضل. فاحرص على مُراقبة استهلاكك للـ سكر المُضاف و اختيار الأطعمة و المشروبات الصحية لتزويد جسمك و دماغك بالعناصر الغذائية الضرورية و الحفاظ على صحة و نشاط عقلك.
مصادر المعلومات
- "The Relationship Between Sugar and Depression," Harvard Health Publishing, 18 April 2022.
- "Sugar and the Brain," The Franklin Institute.