تأثير الأطعمة المصنعة على صحة الجسم
في عالمٍ مُزدحمٍ يسعى فيه الجميعُ إلى توفيرِ الوقتِ والجهد، برزت الأطعمةُ المُصنّعةُ كحلٍّ سحريٍّ يُلبي رغباتنا الغذائية بسهولةٍ ويسر. إلا أنَّ هذه الرحلةَ اللذيذةَ تخفي وراءها جانبًا مُظلمًا يُهدد صحةَ الإنسانِ ويُعرّضُهُ لأمراضٍ مُزمنةٍ خطيرةٍ. فما هي حقيقةُ هذه الأطعمة؟ وكيف تؤثرُ على أجسامنا على المدى الطويل؟ دعونا نتعمق في هذا الموضوع ونستكشف سويًا تأثير الأطعمة المُصنعة على صحة الجسم، مع التركيز على مخاطرها الصحية وطرق الوقاية منها.
تأثير الأطعمة المصنعة على صحة الجسم |
تُعرَّفُ الأطعمةُ المُصنّعةُ بأنها تلك الأطعمة التي خضعت لعمليات تصنيعٍ مُختلفةٍ بهدفِ حفظها وتحسينِ مذاقها وإطالةِ مدةِ صلاحيتها. ويُمكن تصنيفها بناءً على درجة تصنيعها إلى أربعةِ أنواعٍ رئيسيةٍ، كما صنفتها "منظمة الصحة العالمية":
تصنيف الأطعمة المُصنعة
يُعتبرُ فهمُ تصنيف الأطعمة المُصنعة أمرًا جوهريًا لمعرفةِ مدى تأثيرها على صحةِ الجسم واتخاذِ القراراتِ الغذائيةِ السليمةِ.
- الأطعمةُ قليلةُ التصنيع تشملُ هذه المجموعةُ الأطعمةَ التي تمّت معالجتها بشكلٍ بسيطٍ، مثل الفواكهِ المُجففةِ أو المكسراتِ أو البذورِ أو الخضرواتِ المُجمّدةِ. وتتميزُ باحتوائها على قيمةٍ غذائيةٍ عاليةٍ نسبيًا.
- المكوناتُ المُستخلصةُ من الأطعمةِ تشملُ هذه المجموعةُ الزيوتَ النباتيةَ والسكرَ والدقيقَ، وهي مكوناتٌ تُستخدَمُ بشكلٍ شائعٍ في الطهيِ وتحضيرِ الطعامِ.
- الأطعمةُ المُصنّعةُ تتكونُ هذه الفئة من الأطعمةِ التي تمّت معالجتها بشكلٍ أكبرَ، وتحتوي على مكوناتٍ مُضافةٍ مثل السكرِ والملحِ والدهونِ. ومن الأمثلةِ عليها، الخبزُ والأجبانُ والمخللاتُ.
- الأطعمةُ فائقةُ التصنيع وهي الأطعمةُ التي خضعت لأعلى درجاتِ المعالجةِ وتحتوي على العديدِ من المكوناتِ المُضافةِ، بما في ذلك الموادُ الحافظةُ والألوانُ الصناعيةُ والنكهاتُ الاصطناعيةُ. وتُعدُّ الوجباتُ السريعةُ والحلوياتُ والمشروباتُ الغازيةُ ورقائقُ البطاطسِ أمثلةً شائعةً على هذه الفئة.
وتُشيرُ العديدُ من الدراساتِ إلى وجودِ علاقةٍ وطيدةٍ بين الإفراطِ في تناولِ الأطعمةِ فائقةِ التصنيعِ وزيادةِ خطرِ الإصابةِ بالعديدِ من الأمراضِ المُزمنةِ، مثل أمراضِ القلبِ والسكتةِ الدماغيةِ والسكري من النوع الثاني وبعضِ أنواعِ السرطانِ.
السمنةُ وباءٌ غذائيٌّ مُرتبطٌ بانتشارِ الأطعمةِ المُصنعةِ
تُعدُّ السمنةُ من أبرزِ المشاكلِ الصحيةِ التي تُواجهُ العالمَ اليوم، وقد ارتبطَ انتشارُها بشكلٍ كبيرٍ بزيادةِ استهلاكِ الأطعمةِ المُصنّعةِ. فالعديدُ من هذه الأطعمةِ غنيٌّ بالسعراتِ الحراريةِ والدهونِ غيرِ الصحيةِ والسكرياتِ المضافةِ، وهي عناصرُ تُساهمُ في زيادةِ الوزنِ بشكلٍ كبيرٍ عند تناولها بإفراطٍ، خاصةً مع قلةِ النشاطِ البدنيّ.
- الغذاءُ المُصنّعُ يُضعِفُ آلياتِ الشبعِ 📌تُؤثّرُ الأطعمةُ المُصنّعةُ على هرموناتِ الشبعِ في الجسمِ، مما يُؤدّي إلى زيادةِ الرغبةِ في تناولِ الطعامِ، وبالتالي زيادةِ الوزنِ.
- السكرياتُ المضافةُ: خطرٌ مُزدوجٌ 📌لا تقتصرُ أضرارُ السكرياتِ المضافةِ على زيادةِ الوزنِ فحسب، بل تمتدُّ لتشملَ زيادةَ خطرِ الإصابةِ بأمراضٍ مُزمنةٍ مثل السكري من النوع الثاني وأمراضِ القلبِ.
- قلةُ الأليافِ الغذائيةِ 📌تُعَدُّ الأليافُ الغذائيةُ من العناصرِ الغذائيةِ الأساسيةِ لعمليةِ الهضمِ والشعورِ بالشبعِ، وتفتقرُ معظمُ الأطعمةِ المُصنّعةِ إلى هذه الأليافِ، مما يُساهمُ في زيادةِ الوزنِ.
- الدهونُ المتحولةُ عدوٌّ صامتٌّ 📌تُوجَدُ الدهونُ المتحولةُ في العديدِ من الأطعمةِ المُصنّعةِ، وهي من أخطرِ أنواعِ الدهونِ على صحةِ القلبِ، حيثُ تُساهمُ في ارتفاعِ مستوياتِ الكوليسترولِ الضارِّ في الدمِ.
- نمطُ الحياةِ الخاملُ 📌يُعَدُّ نمطُ الحياةِ الخاملُ، الذي يتسمُ بقلةِ الحركةِ والاعتمادِ على التكنولوجياِ، من العواملِ الرئيسيةِ التي تُساهمُ في انتشارِ السمنةِ، خاصةً بينَ الأطفالِ والمراهقين.
ولتجنّبِ مخاطرِ السمنةِ، من المهمِّ اتباعُ نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ غنيٍّ بالفواكهِ والخضرواتِ والحبوبِ الكاملةِ والبروتيناتِ قليلةِ الدهونِ، وممارسةِ الرياضةِ بانتظامٍ.
أمراضُ القلبِ علاقةٌ مُؤكّدةٌ بالغذاءِ المُصنّعِ
تُشيرُ العديدُ من الدراساتِ إلى أنّ هناك علاقةً قويةً بين استهلاكِ الأطعمةِ المُصنّعةِ وزيادةِ خطرِ الإصابةِ بأمراضِ القلبِ. فغالبًا ما تحتوي هذه الأطعمةُ على كمياتٍ كبيرةٍ من الدهونِ المُشبعةِ والمتحولةِ، والتي تُؤدّي إلى ارتفاعِ مستوياتِ الكوليسترولِ الضارِّ في الدم، مما يُساهمُ في تراكمِ الدهونِ على جدرانِ الشرايينِ، وبالتالي زيادةِ خطرِ الإصابةِ بأمراضِ القلبِ والنوباتِ القلبيةِ والسكتاتِ الدماغيةِ.
- الصوديوم يُعتبَرُ الصوديومُ من العناصرِ التي تُضافُ بكمياتٍ كبيرةٍ إلى العديدِ من الأطعمةِ المُصنّعةِ، مثل الوجباتِ الجاهزةِ والمُعلّباتِ، ويُؤدّي الإفراطُ في تناوُلِ الصوديومِ إلى ارتفاعِ ضغطِ الدمِ، مما يُشكّلُ عبئًا إضافيًا على القلبِ.
- قلةُ البوتاسيومِ يُعَدُّ البوتاسيومُ من المعادنِ الأساسيةِ لتنظيمِ ضغطِ الدمِ، وتفتقرُ الأطعمةُ المُصنّعةُ غالبًا إلى هذا المعدنِ الهامِّ، مما يُساهمُ في ارتفاعِ ضغطِ الدمِ وزيادةِ خطرِ الإصابةِ بأمراضِ القلبِ.
- الموادُ الحافظةُ تحتوي بعضُ الأطعمةِ المُصنّعةِ على موادٍ حافظةٍ قد تُؤثّرُ سلبًا على صحةِ القلبِ، لذا يُنصَحُ بالحدِّ من استهلاكِ الأطعمةِ التي تحتوي على هذه المواد.
- قلةُ مضاداتِ الأكسدةِ تُعَدُّ مضاداتُ الأكسدةِ من العناصرِ الغذائيةِ الهامةِ لحمايةِ الجسمِ من الأضرارِ الناتجةِ عن الجذورِ الحرةِ، وتفتقرُ الأطعمةُ المُصنّعةُ غالبًا إلى هذه المضاداتِ، مما يُعرّضُ الجسمَ للإصابةِ بالأمراضِ المُزمنةِ، بما في ذلك أمراضُ القلبِ.
لحمايةِ قلبك، احرص على اتباعِ نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ غنيٍّ بالفواكهِ والخضرواتِ والحبوبِ الكاملةِ، وقلّل من استهلاكِ الدهونِ المُشبعةِ والمتحولةِ والملحِ.
السكري من النوع الثاني الغذاءُ المُصنّعُ يُفاقِمُ المشكلةَ
يُعتبَرُ مرضُ السكري من النوع الثاني من الأمراضِ المُزمنةِ التي تُؤثّرُ على قدرةِ الجسمِ على استخدامِ الإنسولينِ بشكلٍ صحيحٍ، مما يُؤدّي إلى ارتفاعِ مستوياتِ السكرِ في الدم. وتُشيرُ العديدُ من الدراساتِ إلى أنّ هناك علاقةً قويةً بين استهلاكِ الأطعمةِ المُصنّعةِ وزيادةِ خطرِ الإصابةِ بمرضِ السكري من النوع الثاني.
- ارتفاعُ مؤشرِ نسبةِ السكرِ في الدمِ تتميزُ العديدُ من الأطعمةِ المُصنّعةِ بارتفاعِ مؤشرِ نسبةِ السكرِ في الدمِ، مما يعني أنّها تُسبّبُ ارتفاعًا سريعًا في مستوياتِ السكرِ في الدمِ بعدَ تناولها، وهذا ما يُؤدّي إلى زيادةِ إفرازِ الإنسولينِ ويُرهِقُ البنكرياسَ على المدى الطويل.
- قلةُ الأليافِ الغذائيةِ تُساعدُ الأليافُ الغذائيةُ على تنظيمِ امتصاصِ السكرِ في الدمِ، وتفتقرُ معظمُ الأطعمةِ المُصنّعةِ إلى هذه الأليافِ، مما يُساهمُ في ارتفاعِ مستوياتِ السكرِ في الدمِ.
- المشروباتُ السكريةُ تُعتبَرُ المشروباتُ السكريةُ، مثل المشروباتِ الغازيةِ والعصائرِ المُحلّاةِ، من أكثرِ الأطعمةِ التي تُساهمُ في زيادةِ خطرِ الإصابةِ بمرضِ السكري من النوع الثاني.
- زيادةُ الوزنِ تُعَدُّ السمنةُ من أهمِّ عواملِ الخطرِ للإصابةِ بمرضِ السكري من النوع الثاني، وتُساهمُ الأطعمةُ المُصنّعةُ بشكلٍ كبيرٍ في زيادةِ الوزنِ.
للوقايةِ من مرضِ السكري من النوع الثاني، يُنصَحُ بتجنّبِ الأطعمةِ المُصنّعةِ قدرَ الإمكانِ، واتباعِ نظامٍ غذائيٍّ صحيٍّ غنيٍّ بالفواكهِ والخضرواتِ والحبوبِ الكاملةِ، وممارسةِ الرياضةِ بانتظامٍ.
الأطعمةُ المُصنّعةُ وصحةُ الجهازِ الهضميّ
لا تقتصرُ مخاطرُ الأطعمةِ المُصنّعةِ على الأمراضِ المُزمنةِ فحسب، بل تمتدُّ لتشملَ التأثيرَ على صحةِ الجهازِ الهضميّ أيضًا. فغالبًا ما تكونُ هذه الأطعمةُ فقيرةً بالأليافِ الغذائيةِ، والتي تُعَدُّ ضروريةً لعمليةِ الهضمِ السليمةِ وحركةِ الأمعاءِ. وقد يُؤدّي نقصُ الأليافِ إلى الإصابةِ بالإمساكِ وانتفاخِ البطنِ، فضلًا عن زيادةِ خطرِ الإصابةِ ببعضِ أمراضِ الجهازِ الهضميّ، مثل متلازمةُ القولونِ العصبيّ وسرطانِ القولونِ.
- الموادُ الحافظةُ والإضافاتُ الكيميائيةُ قد تُسبّبُ الموادُ الحافظةُ والإضافاتُ الكيميائيةُ الموجودةُ في بعضِ الأطعمةِ المُصنّعةِ تهيّجًا في الجهازِ الهضميّ، مما يُؤدّي إلى ظهورِ أعراضٍ مُزعجةٍ مثل الغازاتِ والانتفاخِ والإسهالِ.
- قلةُ البروبيوتيك البروبيوتيك هي بكتيريا نافعة تُوجَدُ بشكلٍ طبيعيٍّ في الأمعاءِ وتُساعدُ على هضمِ الطعامِ وتعزيزِ جهازِ المناعةِ. وتفتقرُ الأطعمةُ المُصنّعةُ غالبًا إلى هذه البكتيريا النافعة، مما يُؤثّرُ سلبًا على توازنِ البكتيريا في الأمعاءِ ويُضعِفُ صحةَ الجهازِ الهضميّ.
- قلةُ الإنزيماتِ الهاضمةِ تُساعدُ الإنزيماتُ الهاضمةُ على تكسيرِ الطعامِ وامتصاصِ العناصرِ الغذائيةِ، وتفتقرُ الأطعمةُ المُصنّعةُ غالبًا إلى هذه الإنزيماتِ، مما يُؤدّي إلى صعوبةٍ في هضمِ الطعامِ.
لتحسينِ صحةِ جهازكَ الهضميّ، احرص على تناولِ الأطعمةِ الغنيةِ بالأليافِ الغذائيةِ، مثل الفواكهِ والخضرواتِ والحبوبِ الكاملةِ، وتناولِ الأطعمةِ التي تحتوي على البروبيوتيك، مثل الزباديّ، وتجنّبِ الأطعمةِ التي تُسبّبُ لكَ تهيّجًا في الجهازِ الهضميّ.
الخاتمة
في خضمّ عالمٍ مُتزايدِ التطورِ، أصبحَ من السهلِ الوقوعُ في فخّ الوجباتِ السريعةِ والأطعمةِ المُصنعةِ. تغرينا ألوانُها الزاهيةُ ونكهاتُها القوية، ونَنسى أنّ خلفَ هذهِ الواجهاتِ البراقةِ، قد يختبئُ خطرٌ داهمٌ على صحتِنا.
إنّ صحتَنا هي أغلى ما نملك، وعلينا أن نُدركَ أنّ ما نضعهُ في أجسامِنا اليوم، هو ما سيُحدّدُ عافيتَنا غدًا. فلتكن خياراتُنا الغذائيةِ مدروسةً وواعيةً، ولنجعل من الطعامِ دواءً، لا داءً.
دعونا نُعيدُ اكتشافَ نكهاتِ الطبيعةِ ونُعيدُ إحياءَ ثقافةِ الغذاءِ الصحيّ. فلنُعلّمْ أطفالَنا أنّ قيمةَ الطعامِ الحقيقيةِ لا تكمنُ في مظهرِهِ أو طعمِهِ فقط، بل في قدرتهِ على منحِهم جسداً سليماً ونفساً
إنّ صحتَنا هي أغلى ما نملك، وعلينا أن نُدركَ أنّ ما نضعهُ في أجسامِنا اليوم، هو ما سيُحدّدُ عافيتَنا غدًا. فلتكن خياراتُنا الغذائيةِ مدروسةً وواعيةً، ولنجعل من الطعامِ دواءً، لا داءً.
دعونا نُعيدُ اكتشافَ نكهاتِ الطبيعةِ ونُعيدُ إحياءَ ثقافةِ الغذاءِ الصحيّ. فلنُعلّمْ أطفالَنا أنّ قيمةَ الطعامِ الحقيقيةِ لا تكمنُ في مظهرِهِ أو طعمِهِ فقط، بل في قدرتهِ على منحِهم جسداً سليماً ونفساً
مُشرقةً.
مصادر المعلومات
- وزارة الصحة السعودية - دليل التغذية الصحية https://www.moh.gov.sa/
- منظمة الصحة العالمية - الغذاء الصحي https://www.who.int/ar/
- موقع ويب طب - قسم التغذية https://www.webteb.com/
- Roger Thorne. What Are the Benefits of Food Processing? Retrieved on the 29th of /October, 2019, from https://www.livestrong.com/article/454626-what-are-the-benefits-of-food-processing/