العودة إلى الحياة الطبيعية بعد الولادة
تعتبر رحلة الأمومة من أجمل التجارب التي تمر بها المرأة في حياتها، لكنها في نفس الوقت رحلة مليئة بالتحديات والتغيرات الجسدية والنفسية. فبعد فترة الحمل والولادة، تبدأ الأم مرحلة جديدة من حياتها تتطلب منها التكيف مع العديد من المتغيرات واستعادة نشاطها وصحتها مرة أخرى.
العودة إلى الحياة الطبيعية بعد الولادة |
يُعدّ فهم التغيرات التي تحدث للجسم بعد الولادة، واتباع نظام غذائي وصحي، وممارسة التمارين الرياضية، والحصول على الدعم من المحيطين من أهم العوامل التي تساعد الأم على استعادة صحتها ونشاطها بشكل سليم وسريع.
التغيرات الجسدية والنفسية بعد الولادة رحلة تكيف فريدة لكل أم
تمرّ الأم بالعديد من التغيرات الجسدية والنفسية بعد الولادة، وتختلف شدة هذه التغيرات من امرأة إلى أخرى، وقد تستمر لبضعة أسابيع أو أشهر، بل وقد تصل إلى عام كامل. من أبرز هذه التغيرات:
- التغيرات الهرمونية رحلة عودة التوازن للجسم ينخفض مستوى هرمونات الحمل بشكل كبير في الجسم مباشرةً بعد الولادة، الأمر الذي قد يُسبب تقلباتٍ مزاجية، وشعورًا بالحزن والاكتئاب لدى بعض الأمهات، بالإضافة إلى التعرق الليلي، وجفاف المهبل. تُعدّ هذه التغييرات طبيعيةً وتعكس عودة الجسم إلى توازنه الهرموني بعد فترة الحمل.
- تغيرات في الثدي التأقلم مع الرضاعة الطبيعية يزداد حجم الثدي بشكل ملحوظ مع بدء إنتاج الحليب، وقد يُصبح الثدي ثقيلًا ومؤلمًا، خاصةً في الأيام الأولى بعد الولادة. وقد تُعاني بعض الأمهات من انسداد قنوات الحليب أو التهاب الثدي، وهي حالات تتطلب العناية الطبية والاستشارة مع اختصاصي رضاعة طبيعية لتجنب المضاعفات وتسهيل عملية الرضاعة للأم وللطفل.
- تغيرات في الرحم عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي يعود الرحم إلى حجمه الطبيعي تدريجيًا بعد الولادة، وذلك من خلال تقلصات تُشبه تقلصات الدورة الشهرية، وهذه التقلصات طبيعية وتساعد على انقباض الرحم وإيقاف النزيف. وقد يستغرق الرحم حوالي 6-8 أسابيع للرجوع إلى وضعه وحجمه الطبيعيين.
- تغيرات في المزاج التعامل مع "اكتئاب ما بعد الولادة" تُعدّ التقلبات المزاجية من الأمور الشائعة بعد الولادة، فقد تشعر الأم بسعادة غامرة في لحظة ما، ثم تنتابها نوبة بكاء في اللحظة التالية. ويرجع ذلك إلى مُسببات عديدة أبرزها التغيرات الهرمونية، والتعب والإرهاق اللذين تمرّ بهما الأم خلال هذه الفترة. من المهم التفريق بين "اكتئاب ما بعد الولادة" وهذه التقلبات المزاجية الطفيفة. فاكتئاب ما بعد الولادة حالة أكثر خطورة تتطلب العلاج والدعم النفسي من المختصين.
- تغيرات جسدية أخرى التأقلم مع التغييرات في مظهر الجسم بالإضافة إلى التغيرات السابقة، قد تمرّ الأم بتغيرات جسدية أخرى بعد الولادة، مثل: زيادة وزن الجسم، وتساقط الشعر، وظهور علامات التمدد، وتغيرات في الرغبة الجنسية، وسلس البول، وبواسير. تُعدّ هذه التغيرات طبيعية وناتجة عن التحولات التي مرّ بها الجسم أثناء الحمل والولادة، وتختفي تدريجيًا مع مرور الوقت.
نصائح للعودة إلى الحياة الطبيعية بعد الولادة
تختلف المدة التي تستغرقها الأم للشعور بالعودة إلى الحياة الطبيعية بعد الولادة من امرأة إلى أخرى، إلا أن هناك بعض النصائح التي يمكن أن تساعدكِ على تسريع هذه العملية وتسهيلها، منها:
- الراحة والنوم أولوية لكِ ولطفلكِ يُعدّ الحصول على قسط كافٍ من الراحة والنوم من أهم الأمور التي تساعد جسمكِ على الاستشفاء بعد الولادة. حاولي النوم عندما ينام طفلكِ، حتى وإن كانت فترات قصيرة، واستغلي وجود زوجكِ أو أفراد عائلتكِ لمساعدتكِ في مهام المنزل ورعاية الطفل لمنحكِ بعض الوقت للراحة.
- التغذية الصحية أساس صحتكِ وصحة طفلكِ تناولي الغذاء الصحي المتنوع الغني بالفواكه والخضروات والبروتينات والحبوب الكاملة والدهون الصحية. فهذا سيساعدكِ على استعادة طاقتكِ وتزويد جسمكِ بالعناصر الغذائية التي فقدها أثناء الحمل والولادة والرضاعة. احرصي على شرب كميات كافية من الماء طوال اليوم، خاصةً إذا كنتِ ترضعين طفلكِ رضاعةً طبيعيةً، لأن الجفاف قد يؤثر سلبًا على إنتاج الحليب.
- ممارسة التمارين الرياضية عودة تدريجية لنشاطكِ ابدئي بممارسة بعض التمارين الرياضية الخفيفة بمجرد أن يُصبح ذلك ممكنًا بعد الولادة، وذلك بعد استشارة طبيبكِ للتأكد من أن جسمكِ جاهزٌ للنشاط البدني. سيساعدكِ ذلك على استعادة لياقتكِ البدنية وتحسين حالتكِ المزاجية والتقليل من التوتر والقلق. يمكنكِ البدء بتمارين المشي الخفيفة، ثم زيادة شدة التمارين تدريجيًا مع مرور الوقت.
- العناية بالصحة النفسية أنتِ ليستِ وحدكِ لا تتجاهلي صحتكِ النفسية، فمن الطبيعي أن تشعري ببعض الاكتئاب أو التقلبات المزاجية بعد الولادة. حاولي الحصول على قسط من الراحة والاسترخاء، وخصصي بعض الوقت لنفسكِ للعناية بنفسكِ وممارسة بعض الهوايات التي تستمتعين بها. تحدثي مع زوجكِ أو أصدقائكِ أو طبيبكِ عن مشاعركِ، ولا تترددي في طلب المساعدة من اختصاصي نفسي إذا كنتِ بحاجة إلى ذلك. تذكري أن صحتكِ النفسية لا تقل أهمية عن صحتكِ الجسدية.
- العودة إلى العمل قراركِ أنتِ إذا كنتِ تخططين للرجوع إلى العمل بعد إجازة الأمومة، فاقرري الوقت المناسب لكِ ولطفلكِ، مع مراعاة ظروفكِ الشخصية واحتياجاتكِ ومشاعركِ. تحدثي مع مسؤولكِ في العمل للتنسيق بشأن مواعيد عملكِ ومدى مرونتها، واستكشفي خيارات العمل من المنزل أو العمل بنظام الدوام المرن إذا كانت متاحة. يمكنكِ البدء بالعودة إلى العمل بشكل جزئي ثم زيادة ساعات عملكِ تدريجيًا مع تأقلمكِ ومع نمو طفلكِ.
- قضاء وقت خاص أهمية رعاية الذات من الهام أن تخصصي بعض الوقت لنفسكِ بعيدًا عن مسؤوليات الأمومة، وذلك للعناية بنفسكِ وممارسة بعض الهوايات التي تستمتعين بها. سيساعدكِ ذلك على التخلص من التوتر والضغط والحفاظ على صحتكِ النفسية وتجديد نشاطكِ. لا تشعري بالذنب تجاه طفلكِ عند رغبتك في قضاء بعض الوقت مع نفسكِ، فأنتِ بحاجة إلى الشحن والتجديد لتكوني أمًا أفضل.
- طلب المساعدة من المحيطين لا عيب في ذلك لا تترددي في طلب المساعدة من زوجكِ أو أفراد عائلتكِ أو أصدقائكِ عندما تحتاجين إلى ذلك. سيسعدون بمساعدتكِ ودعمكِ في هذه المرحلة الجديدة من حياتكِ. فطلب الدعم ليس علامة ضعف، بل هو علامة قوة ونضج.
- التواصل مع الأمهات الجدد مشاركة التجارب والتحديات تواصلي مع الأمهات الجدد الأخريات ممن مررن بنفس التجربة، وتبادلن الخبرات والتجارب والتحديات التي تواجهكن. سيساعدكِ ذلك على الشعور بأنكِ لستِ وحدكِ في هذه المرحلة، وأن ما تمرين به من مشاعر طبيعي وجزء من رحلة الأمومة. يمكنكِ الانضمام إلى مجموعات دعم الأمهات على مواقع التواصل الاجتماعي أو في مراكز رعاية الأم والطفل.
العودة إلى ممارسة العلاقة الحميمية التواصل والتفاهم أساس النجاح
تُعدّ العودة إلى ممارسة العلاقة الحميمية بعد الولادة من المواضيع الحساسة التي تتحاشى الكثيرات التحدث عنها. فمن الطبيعي أن تحتاج الأم إلى بعض الوقت قبل العودة إلى ممارسة العلاقة الحميمية مع زوجها بعد الولادة، وذلك لعدة أسباب، منها: التغيرات الهرمونية التي تؤثر على الرغبة الجنسية، والتعب والإرهاق اللذين تمرّ بهما الأم، بالإضافة إلى الخوف من الشعور بالألم أثناء الممارسة والتغيرات التي طرأت على الجسم بعد الولادة.
ينصح الأطباء عادةً بالانتظار لمدة 4-6 أسابيع بعد الولادة الطبيعية، أو لفترة أطول في حال الولادة القيصرية، وذلك لإعطاء الجسم الوقت الكافي للشفاء.
من المهم التواصل مع الزوج بشكل مفتوح وصريح والتعبير عن المخاوف أو التحديات التي قد تواجهكِ خلال هذه الفترة. فالتواصل الفَعّال والتفهم المتبادل بين الزوجين من أهم العوامل التي تساعد على تخطي هذه المرحلة بسلاسة. يمكن أيضًا الاستعانة باستشاري علاقات زوجية إذا دعت الحاجة لتخطي هذه المرحلة بنجاح.
متى يجب استشارة الطبيب؟ لا تتجاهلي هذه الأعراض
في حين تُعدّ التغيرات التي تم ذكرها سابقًا طبيعية وغالباً ما تختفي مع مرور الوقت، إلا أنه يجب استشارة الطبيب في الحالات التالية:
- الشعور بحزن شديد أو اكتئاب يستمر لأكثر من أسبوعين ولا يتحسن مع الوقت.
- الشعور بألم شديد في البطن أو الثدي أو أثناء التبول.
- نزيف مهبلي كثيف أو ذو رائحة كريهة أو يستمر لأكثر من أسبوعين بعد الولادة.
- ارتفاع في درجة الحرارة عن 38 درجة مئوية.
- صعوبة في التنفس أو ألم في الصدر.
- ألم، أو تورّم، أو احمرار في الساق.
- أفكار سلبية تُلحّ عليكِ بإيذاء نفسكِ أو إيذاء طفلكِ.
خاتمة
العودة إلى الحياة الطبيعية بعد الولادة رحلة تختلف من امرأة إلى أخرى، وقد تستغرق بعض الوقت والجهد. كوني صبورة مع نفسكِ، واحتفلي بالتغيرات الإيجابية التي طرأت على حياتكِ بوجود طفلكِ. لا تترددي في طلب الدعم من المحيطين بكِ، سواءً كان زوجكِ، أو عائلتكِ، أو أصدقائكِ، أو حتى طبيبكِ أو اختصاصي نفسي. تذكري أن هذه المرحلة مؤقتة وسوف تتخطينها بقوة وتعودين إلى ممارسة حياتكِ بشكل طبيعي، بل أكثر قوة ونضجًا.
المراجع
- موقع ويب مايو كلينيك
- موقع ويب صحة الأسرة
- منظمة الصحة العالمية
- American College of Obstetricians and Gynecologists' Presidential Task Force on Redefining the Postpartum Visit and the Committee on Obstetric Practice. Committee Opinion No. 736: Optimizing postpartum care. Obstetrics & Gynecology. 2018;
- NHS, Your post-pregnancy body, Retrieved on 8th of April, 2022
- Berkowitz LR, et al. Postpartum perineal care and management of complications. https://www.uptodate.com/contents/search. Accessed Sept. 7, 2023.
- Chaunie Brusie. What to Expect from Your First Period After Pregnancy. Retrieved May 2019. From https://www.healthline.com/health/pregnancy/first-period-postpartum